الخميس 12 ديسمبر 2024

جمارك بقلم ريناد يوسف

انت في الصفحة 5 من 106 صفحات

موقع أيام نيوز

بعد غياب 
اقترب منها حكيم واحتضن رقبتها ومد يده ممسدا مابين عينيها وانفها فى حنو بالغ 
ثم قبلها قبل ان يأمر سايس الاسطبل بجلب سرجها الخاص وماأن ربط السايس السرج حتى قفز حكيم على ظهرها وخړج بها منطلقا لا يعلم الى اين ولكنه تفاجأ بها وهى تجتاز الطرقات وصولا لطريق محدده وحين وصلت اليها هدأت سرعتها وبطئت خطواتها كقلب ام تعلم ان سعادة طفلها وشفاء علته يكمن فى هذا الطريق 
هو بالفعل كان كذلك من قبل ولكن الان لم يعد هذا الشارع يمثل
له الا كل ۏجع وأمسى مرقدا لحلم ډفن فيه وأمل اندثر على ارضه 
مضت جمره فى الشارع كعادتها بخطوات بطيئه مثل ان تعودت منذ اعوام وكعادتها وقفت امام بائعة التوت التى كانت تستعد للمغادره بعد ان باعت معظم التوت ولم يتبقى معها الا القليل 
ابتسمت المرأه لحكيم ظنا منها انه اتى ليشترى منها اليوم ولاثيما انها كانت تسأل نفسها عن سبب عدم رؤيتها له منذ فتره كبيره ۏعدم قدومه المعتاد اليها لكنها تفاجئت حينما ادار لجام مهرته ليبتعد عنها وهو يحدث نفسه خلاص معادشى هيبقى فيه توت من اهنه ورايح وهيتحرم علي كيف ماجمرتى اتحرمت علي 
اعطى الامر لمهرته جمره ان تغادر هذا الطريق باسرع مايمكن وهو يحاول ان يخفف من حزنه ناظرا لجنبات الطريق لاخړ مره مودعا لها معاهدا نفسه انها المره الاخيره التى سيمر فيها من هذا الطريق 
وابتعد متمنيا ان كل ذكرى جميله وكل فرحه شعر بها فى يوم من الايام وكل امنيه بجمارته نسجت خيوطها حول شرايين قلبه وولدت فى هذا الطريق ان تسقط من عقله وقلبه وروحه مع كل خطۏه من خطوات مهرته المبتعده 
وان ټموت هنا فى نفس المكان الذي ولدت فيه ودعا الله ان ينتزع حبها من قلبه كما زرعه فيه وان يعود الى قصره خالى القلب والفكر والبال كما خړج منه آخر مره قبل ان يرى جمارته لاول مره فى صدفة غيرت مجرى قلبه 
وقف على نهاية الطريق واستدار بمهرته ينظر خلفه نظرة مودعه وابتسم ثغره واغرورقت عيناه وهو يراها تتجسد امامه مرة اخرى وطيفها اخذ يتحرك امامه كأنها حقيقة جعلت قلبه يهوى من مكانه وارجعته مرة اخرى لتلك الايام 
حيث خړج من بيته كعادته وهو يمتطى ظهر مهرته قاطعا شوارع البلده الى ان يصل لوجهته ويقف على اطراف هذه الطريق ملثما وينتظر بعض الوقت لتخرج من بيتها ذات الثمانى عشر عاما حاملة سلة الجبن على رأسها تتهادى بطولها الفارع وجسدها الممشوق الذي ينافس فى الانوثه جسد ثلاثينيه تتمايل جديلتها ذات اللون الاحمر والتى تمردت من اسفل ربطة رأسها لتتحرر على ظهرها فتتمايل يمينا ويسارا اثناء سيرها كانها ترقص على انغام خطواتها لتلفت النظر
اما وجهها فلا وصف له سوى انه وطن يستحق ان تخاض من اجله الااف الحړوب ومن اجل جمال عينيها تنال الشهاده 
كل هذه الاشياء تجعل المسافه التى يقطعها يوميا واستيقاظه فى ساعات النهار الاولى لا شيئ مقارنة بمايحصل عليه قلبه من لذه وعينيه من متعه وهو يرى امامه كل هذا الحسن الذي تجلى فى ابهى صوره
نعم فهو هذا الثلاثينى الذى كتب على قلبه التعلق بتلك الصغيره التى برغم صغر سنها الا انها الوحيده التى استطاعت غذو قلبه وسلب عقله وهى ايضا الوحيده التى بنظرة واحده من عينيها قادرة على ان تقوده الى اطراف هاويه وإن طلبت منه القفز فلن تجد منه الا ملبى حتى وان علم ان فى السقوط هلاكه 
عشرون دقيقه يوميا هى المده التى تستغرقها جمارته وجمرة قلبه كما اطلق عليها بينه وبين نفسه من بيتها الى المكان الذي تبيع فيه الجبن تلك الدقائق هى بالنسبة له الوقود الذي بدونه لا يعمل عقله طوال اليوم ويظل كامل جسده حبيس الشوق الي ان يراها 
وهذا الاحساس هو مادفعه فالفترة الاخيره للقلق ودفع عقله للتساؤل پجنون عما سيفعله فى الايام القادمه والتى مضطر ان يسافر فيها الى بلدة اخرى لانهاء بعض الاعمال المتعلقه هل سيتحمل هذا الفراق وماذا ان لم يستطع ونال منه الشوق ولم يقوى قلبه على الصمود !
لملم شتات افكاره وصبر قلبه بأنه لم يتبقى سوى شهور تعد على الاصابع وينتهى انتظاره وينطفئ شوق قلبه وترتوى روحه من جمارته وجمرة قلبه حين تصبح بين يديه حلال طيبا حلو مذاقه كجمار قلب النخيل واحلى 
ولكن للقدر دوما رأى آخر وتخطيطا يخالف حسابات القلوب حين تيقن حكيم من هذا فى اليوم الذي صنفه على انه اتعس ايامه 
بينما كان يتابع مرورها من امامه بعيون تكاد تخرج من محجريها من شدة التركيز مع كل حركة منها ويحسب فى نفسه كم مره اهتزت جديلتها خلف ظهرها ويتبسم بفرحه حين يلاحظ ابتسامتها تحت اللثام لنسمة هواء تداعب وجهها حين تضيق عينيها بفرحه اسفل اللثمام حين تضيق عينيها فيقابل النسمات التى مرت عليها واتت اليه حاملة عطرها بفرحة يغمض لها عينيه بأرتياح كأنها قبلات محبوب او حين تقف كعادتها امام بائعة التوت لتشترى منها التوت وتبدأ فى اكله مباشرة فور شرائه وسعادتها وهى تفعل ذلك جعلت حكيم ايقن عشقها للتوت الذي انتقل له هو ايضا وبدأ فى شراء التوت واكله بشكل يومى بسعاده بالغه كما تفعل هى 
وفى اثناء ذلك كان هناك
من يتربص به ويراقبه كثعبان يترقب فريسته وينتظر الوقت المناسب لينقض عليها ولكن ليحدث هذا كان عليه ان يدرس يدرس جيدا اكبر نقاط ضعف فريسته اولا لكى يستغل هذه
النقاط حين يقوم بالھجوم فينتقى وقتا تكون فيه فريسته فى اضعف حالاتها ثم ينقض عليها وما اكثر ضعفا من قلب عاشق لهذه الدرجه ! 
تقدم غازى بسرعه ليقطع طريق حكيم ويقف امامه محدجه بنظرة انتصار كأنه فاز للتو عليه فى معركة ضاريه فشد الآخر لجام مهرته بقوه لكى يتفادى الاصطدام به ونظر اليه وتكلم وهو صاكا على اسنانه من الڠضب ولم لا وقد قطع عليه هذا المتطفل البغيض احب اوقاته وحرمه من متابعة معشوقته 
حكيم غازى ايه اللى جابك اهنه وچاى تعمل ايه فالوكت ديه !
اجابه غازى بنبرة خبس حظى الحلو هو اللى جابنى اهنه ودلنى على الطريق دي بالزات بس ايه الصدفه الحلوه دى قولى عاد انتا عتعمل ايه اهنه انتا كمانى قالها وجر عينه بنظرة جانبيه على تلك التى على وشك ان تختفى من امام ناظريهم وهى تأخذ منعطف آخر من الطريق ثم ارجع عينيه ليتفحص ذلك الذي يكاد يجزم انه سوف ينفجر غيظا فى هذه اللحظات من خلال نبرة صوته التى تغيرت للحده وهو يجيبه 
مانتا عارف انى عحب كل صبحيه اخدلى لفه بالفرسه بتاعتى وععمل اكده من سنين ولا هى جديده عليك واول نوبه تعرفها 
اجابه غازى بأبتسامه ايوه عارف بس يعنى استغربت انك پعيد النهارده عن الارض والموطرح اللى ضريان تتمشى فيه كل نوبه وچاى اهنه على طراطيف البلد تتمشى مش بعيده عليك المسافه دى ياحكيم ياواد عمى 
اردف حكيم وقد رفع حاجبه دليل على التعجب مما قاله غازى 
انى طول ماجمره معاى ميبعدش عليا موطرح وكل البلد مضمارى ياغازى 
بس الهم والباقى على اللى ماشى على كعوب رجليه وچاى على طرطيف البلد كيف مابيقول وقاطع كل المسافه دى من غير سبب
غازى بابتسامه ومين قال مڤيش سبب عموما انى هسبقك عالبيت واستناك فالدوار وهناك نكملو حديتنا الا الوقفه والحديت فالشوارع ماسخين قوى نطق آخر كلماته ۏهم بمغادرة المكان لكنه سرعان ماغير وجهته وعاد ليواجه حكيم مرة اخرى واردف صوح متنساش النهارده فصل الرقاقنه مع بيت شندويل اوعاك تتأخر ياكبير البلد وشيخها عالفصل كيف النوبه اللى عدت الا الناس تاكل وشنا ويقولو الشيخ ولد الشيخ عيتأخر على مجالسه كيف ماعميلت ديك النهار ففصل العمارنه 
اردف حكيم وهو يحاول السيطره على اللجام وكبح چماح مهرته 
له متخافش مهتأخرشى وبعدين دكها كانت ڠلطه واول وآخر مره تحصل وياريت تنساها ومتقعدشى كل هبابه تعيد وتزيد فيها كيف ماتكون مسكت عليا زلقه 
ليرد عليه غازى سريعا پاستغراب به كلام ايه ديه يابو عمو بردك انى امسك عليك انتا زلقه طپ ليه وانى وانتا واحد واللى يضرك يضرنى واللى يسيئلك يسيئلى مكانش العشم ياخوى انى بس خاېف على منظرك وهيبتك قدام الخلق وعنبهك مش اكتر 
ليأخذ حكيم نفس عمېق مصحوب بغمضة من عينيه وهو يشيح بوجهه للجانب الآخر فى محاولة منه لتهدئة نفسه والسيطره على اعصابه ثم نطق اخيرا 
معلهش حقك عليا ياغازى ياخوى متزعلش منى انى مقصدتش انى بس خانتنى الكلمه مش اكتر 
ابتسم غازى وهو يومئ برأسه لحكيم بتفهم قبل ان يردف 
ولا يهمك ياحكيم انى خابرك زين وخابر ان قلبك ابيض كيف اللبن الحليب وعمرك ماتقصد بكلامك ايوتها حاجه ۏحشه ثم افسح له المجال وهو يكمل حديثه يلا ياغالى روح كمل مشوارك وشوف كنت رايح وين وانى هرجع على المندره واجهز مع الرجاله لقعدة النهارده 
اجابه حكيم وهو ينظر پعيدا للطريق الذي اصبح فارغا بعد ان ابتعدت صغيرته ثم نظر لساعة يده وايقن انها الان بالتأكيد وصلت وجهتها 
له خلاص عاد معدش فيه مشاوير انى راجع معاك 
غازى طيب وسع خدنى وراك الا المسافه طويله على الماشى كيف ماقلت 
حكيم بس انتا عارف انى معحبش حد يركب جمره غيرى ياغازى 
غازى معلهش النوبادى بس واوعدك مهكررهاش تانى 
واردف فى نفسه عارف ان حاجتك معتحبش حد يقاسمك فيها لكن من النهارده هتقف وتتفرج وانتا عتخسر كل غالى وعزيز على قلبك وتشوفه فيدى ومتقدرشى تفتح خشمك وكله بالاصول 
فوقف حكيم وهو يتأفف وافسح المجال لغازى الذي قفز ليستقر خلفه على ظهر مهرته التى صهلت باعتراض كانها ترفض
مشاركة غازى لحكيم فيها لكنها انطلقت بامر من حكيم حين ارخى لجامها 
تمسك غازى بحكيم جيدا حين توقف مرة واحده مما ادى الى ارتفاع قوائم مهرته جمره الاماميه وهى تحاول الوقوف عن الجرى بشكل مفاجئ واردف وه كنت هتشقلبنى على قفاى ياحزين !
اردف حكيم وهو يلتف بجمره ويوجهها لبائعة التوت هجيب توت اجيبلك معاى 
ليرد عليه غازى بنبرة ساخره توت ايه وۏجع پطن ايه عالريق ياحكيم وبعدين
منتا عارف انى معحبوشى التوت ديه واصل ولا عحب اشوف منظره حتى قدامى !
ليرد عليه حكيم ضاحكا عشان انتا معفن والمعفنين معيحبوش الحاجه الحلوه 
لم يرد غازى على سخريته منه بالكلام ولكنه اكتفى بلف زراعيه حول
حكيم ليسلبه لجام جمره ويقوم
بسحبه وحثها على الالتفاف والجرى

انت في الصفحة 5 من 106 صفحات